وعن أَبي لُبَابَةَ بشير بن عبد المنذر رضي الله عنه : أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ : (( مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالقُرْآنِ فَلَيْسَ مِنَّا )) رواه أَبُو داود بإسنادٍ جيدٍ . معنى (( يَتَغَنَّى )) : يُحَسِّنُ صَوْتَهُ بِالقُرْآنِ .
نشرة حصاد أهل القرآن - مارس 2018
أخطاء في الحلقات القرآنية

إن مما ينبغي التأكيد عليه أن تعليم القرآن الكريم من أهم المهمات لما له من الآثار الإيجابية في تربية الأفراد وسلوكهم، بل في أمن المجتمعات وطمأنينتها، وذلك لما يتمتع به حملة القرآن من خلق رفيع وأدب جم وسلوك متزن، معينه ومنهله كلام رب العالمين.
وإذا تأصلت هذه الأفكار عند القائمين على التعليم وجب أن تتكاتف الجهود، وتوفر الإمكانات المالية والبشرية والمادية، وأن يعتنى به تمام العناية وألا يبقى التعليم في الحلقات على حسب الجهود الفردية بلا تخطيط أو تطوير. ومن هذا المنطلق ومن خلال تجربتي المتواضعة اضع بين يدي القائمين على مدارس التحفيظ بعض الأخطاء التي تحتاج إلى عناية فائقة واهتمام بالغ من الجميع حتى تثمر مدارسنا وهذه الأخطاء كالتالي:

الخطأ الأول: كثرة الطلبة في الحلقة
وأعني بالكثرة ما تجاوز العدد الافتراضي للوقت المحدد للحلقة وهو ما بين العصر إلى المغرب، أو ما بين المغرب إلى العشاء وهو ما يقدر ما بين ساعة ونصف إلى ساعة.
وقد يرى بعض الناس أن كثرة الطلاب في الحلقة الواحدة دليل على الرغبة والإقبال على القرآن الكريم، ويظن أن هذه ظاهرة صحية تدل على نجاح الحلقة.
وهذا في حقيقة الأمر لا يسلم به لما سيأتي بعد قليل.
ومن الآثار السلبية لهذا الخطأ:
أ- عدم تركيز المعلم على قراءة الطالب:
لأن المعلم يرى سرعة الإنجاز ليكفي الوقت للاستماع إلى قراءات الطلاب جميعاً. فيُقْتصر في جانب تركيزه على النطق والتلاوة. أقل من سابقه.
ب- قلة الحفظ أو قِصَر ما يُحفَظ:
وهذا يلجأ إليه المعلم ليتسع الوقت لقراءة الطلاب فيحفظ الطالب مثلاً نصف صفحة من المصحف بدلاً من صفحة وهكذا.
ج- ترك المراجعة للطالب أو تأخيرها إلى الغد وهكذا:
ومن المسلم به ضرورة الجمع بين الحفظ الجديد والمراجعة لما سبق مراجعة مستمرة ليثبت الحفظ ويرسخ رسوخ الجبال فإذا كثر الطلاب اضطر المدرس لترك المراجعة ليتسع الوقت للاستماع إلى ما حفظه الطلاب جميعاً أو الاستماع إلى مراجعه بعضهم وترك الباقي وهكذا.
هذه أظهر السلبيات على حلقة زاد طلابها على العدد المناسب.

الخطأ الثاني: ضعف المتابعة
وأعني بالمتابعة هنا من قبل المعلم ومن قبل إدارة المدرسة ومن قبل ولي الأمر، ولكل من هؤلاء نصيب في متابعة الحلقة والطالب على حد سواء، وفيما يلي زيادة توضيح لذلك:
أ- متابعة المعلم:
إن بعض المعلمين لا يعير متابعة الطالب في حفظه ومراجعته اهتماماً ويظهر هذا الضعف عندما يترك المعلم دفتر المتابعة جانباً فلا يسجل ما حفظه الطالب وما راجعه وما مقدار ما يستحقه الطالب من درجة للحفظ والمراجعة وهكذا في دفتر الحلقة نفسها أو سجل الطالب.
ب- متابعة إدارة المدرسة:
وذلك بالاطلاع على سجل كل حلقة وعلى نماذج مختلفة من سجلات الطلاب الخاصة بهم كل يوم ليشعر الطالب والمعلم على حد سواء باهتمام إدارة المدرسة بهم، وبحرصها على الوقوف إلى جانبهم والتقدم بهم.
ج- متابعة ولي الأمر:
وذلك لما لولي الأمر من الأهمية، وسجل الطالب هو الحلقة الواصلة بين المدرسة والمنزل، يطلع ولي الأمر من خلاله على جهود أبنائه، ويتابع بتصفحه له يومياً سيرهم وتقدمهم في الحلقة.
وضعف المتابعة في هذه الجوانب له آثار سلبية ظاهرة في الحلقة وسيرها وتقدمها ولعل من أبرز هذه الآثار ما يلي:
1- عدم الاهتمام من قبل المعلم:
والنفس ضعيفة، ويزداد ضعفها عند فقد المتابع والمحاسب لها، والمعلم بشر من الخلق، إذا فقد المتابعة ورأى عدم الجدية في العمل فلا يجد تشجيعاً لتقدمه وإخلاصه وإنتاجه، ولا يرى توجيها عند تقصيره وتفريطه، عندما يرى ذلك تضعف عزيمته، ويقل اهتمامه بطلابه.
د - متابعة الحافظ:
المتتبع لتقارير الجمعيات التي تهتم بتحفيظ القرآن الكريم يجد أعداداً هائلة حفظت القرآن الكريم من بنين وبنات وهذا شيء يثلج صدر كل من قرأها أو سمع بها.
ولكن الذي يحزن أن أغلب حفاظ القران الكريم بعد حفل التخرج لا يستفاد منهم الفائدة المرجوة، بل ربما انقطع بعضهم عن الحلقة ثم تباعد عنها شيئاً فشيئاً ومن ثم عن تعاهد الحفظ، مما يترتب عليه نسيان الحفظ بالكلية.

الخطأ الثالث: عدم الانضباط بوقت محدد
وأعني به وقت الطالب في الحلقة.
وهنا تتفاوت الحلقات القرآنية بالنسبة للطلاب فمنها من يجعل الوقت مفتوحاً للطالب من أول الدوام إلى آخره ومنها من يلتزم بوقت معين في الحضور والانصراف.
وفي كثير منها عدم الالتزام بوقت محدد سواء في حضور الطالب أو انصرافه، وسواء حضر الطالب في أول الوقت أو بعد مضي جزء منه، ولو في الدقائق الأخيرة منه.
أو الإذن له بالخروج إذا سمّع الجزء المطلوب منه.
وهذا في نظري يحتاج إلى ضبط ودقة بين إدارة المدرسة وولي أمر الطالب.
وكون هذه الظاهرة من الأخطاء الشائعة في الحلقات القرآنية لعدم ضبطها مما تؤثر سلباً في الطالب ذاته وفي الحلقة.
أما إذا توبع الطلاب في حضورهم وانصرافهم وروعيت الحالات التي يستلزم من ورائها تأخر في الحضور أو انصرافٌ مبكر، لم يكن ذلك خطأ في التعليم.

الخطأ الرابع: عدم مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب.
فكثيراً ما نجد حلقة تعليم القرآن الواحدة تضم بين جنباتها من هو في المرحة الثانوية والمتوسطة والابتدائية بل قد يوجد فيها من هو في سن الخامسة والسادسة من العمر.
ولا شك أن لهذا المزيج من الطلاب آثاراً سلبية على المعلم وعلى تقدم سير الحلقة.
فالطلاب يتفاوتون في أجسامهم وفي عقولهم وفي مقدرتهم على الحفظ.
ومن هذه الآثار:
أ- على المعلم:
بحيث لا يستطيع التركيز والتنقل من طالب متقدم في الحفظ إلى شاب صغير مبتدئ في حفظه، ومن شاب سريع الحفظ إلى آخر وهكذا مما يتسبب في إضاعة جزء من الوقت يومياً في سبيل الوصول إلى مواضع حفظهم ومراجعاتهم.
ب- على الحلقة:
1 - حدوث بعض المنازعات بين الطلاب، وذلك بتسلط كبير السن على الصغير.
2 - عدم التركيز على صغار السن وإنما يقتصر التركيز في التعليم على الكبار على حساب البقية حيث يؤجل إعطاء الدرس لهم أو المراجعة باستمرار، مما يتسبب في ضعف استفادتهم أو انقطاعهم بالكلية.

الخطأ الخامس: كثرة الغياب أو التخلف عن الحلقة.
الغياب المتكرر أو التأخر في الحضور عن وقت الحلقة مشكلة شائعة في كثير من الحلقات، إذ يرى بعض الطلاب أن الالتحاق بالحلقة إنما هو لقضاء الوقت وليس له هدف آخر مما يتسبب عن هذا الأمر عدم الاهتمام بالحضور.
ولا شك أن التأخر في الحضور أو الغياب بالكلية له آثار سلبية على الطالب ومن أهمها:
أ- عدم تحسن المستوى التحصيلي في الحفظ والمراجعة لدى الطالب.
ب - غياب الطالب أو تأخره عن الحلقة يخشى منه أن يستغل هذا الوقت بلا علم من ولي أمره -فيما لا تحمد عقباه-.
ج - الخوف من اقتداء زملائه به، وخاصة إذا لم يكن هناك حسم من إدارة المدرسة بالتعاون مع المعلم ومع ولي أمر الطالب لهذه المشكلة.

الخطأ السادس: عدم اختيار المعلمين الأكفاء.
وهذه في نظري مشكلة عامة، فكثيراً ما نجد أن مدرس هذه الحلقة أو تلك ليس متخصصاً في تدريس القران الكريم  بل أحياناً ليس له أي ارتباط بالحلقات
فعُين مدرس لكونه حافظاً لجزء أو جزأين من القران، أو عين من أجل أن تقوم الحلقة أو عين من أجل محبته للخير وحرصه عليه، ومن ثم البحث عن معلم آخر يناسب أو عين لأي سبب من الأسباب المناسبة، وهذا كله حسن، وأثر من آثار المقاصد الحسنه لكن التدريس في الحلقات القرآنية يحتاج إلى خبرة وتخصص ومهارة لا تقل عن تلك الخبرات والمهارات والتخصص التي يُطالب بها غيره من المعلمين، بل يطالب مدرس الحلقة بمطابقة مخبره لمظهره وتخلقه بأعلى الأخلاق وأسماها.
ومما يترتب على ذلك من السلبيات:
ضعف أو انعدام التلاؤم بين الطلاب والمعلم، وذلك ناشئ عن عدم معرفته بأساليب التعليم، وضعف قدراته العلمية، والتعليمية وانعدام لخاتمة.

مقترحات
وبعد هذا الحديث الموجز عن الحلقات وبيان ما فيها من أخطاء، أختم حديثي ببعض المقترحات التي من شانها تطوير الأداء في الحلقات بشكل عام :
1- الحرص على الالتزام بمنهج الصحابة رضي الله عنهم في تعلم القرآن الكريم المتمثل في قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن"
2- أن يكون في كل حي مدرسة نموذجية مقرها أكبر جامع في الحي تولى عناية خاصة، ومتابعة دقيقة من حيث وسائل النقل والمعلمين والميزانية.
3- عقد دورات تدريبية تربوية لمعلمي الحلقات، بهدف الارتقاء بمستواهم.
4- ضرورة وضع لقاءات شهرية أو فصلية على الأقل لأولياء أمور الطلاب في الحلقة لإطلاعهم على سير أبنائهم.
5- الاهتمام باختيار المدرسين اختياراً دقيقاً بحيث يكون المدرس متسماً بقوة الشخصية ذا خلق رفيع وديانة متينة وأدب جم وكفاءة عالية.
6- صرف مكافآت مجزية للمدرس حتى يتسنى للمشرف والموجة وإدارة المدرسة متابعته متابعة دقيقة، وإذا لم تكن المكافأة مناسبة سيضطر إلى البحث عن عمل آخر.
7- الاستفادة من التقنية الحديثة في التعليم كمعامل الصوتيات وأجهزة والحاسب وغيرها.
8- ضرورة التطوير المستمر للتعليم في الحلقات والأخذ بتقنيات العلم الحديثة.
كافة الحقوق محفوظة لــ الجمعية الخيرية لتعليم القرآن الكريم 2010
تصميم و برمجة الحلول التكنولوجية
الرئيسية  ـ  الجمعية  ـ  الأخبار  ـ  إصدارت  ـ  تبرع للجمعية  ـ  إتصل بنا