عن عبدِ اللَّهِ بنِ عَمْرو بن العاصِ رضي اللَّه عَنهما عنِ النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « يُقَالُ لِصاحبِ الْقُرَآنِ : اقْرأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَما كُنْتَ تُرَتِّلُ في الدُّنْيَا ، فَإنَّ منْزِلَتَكَ عِنْد آخِرِ آيةٍ تَقْرَؤُهَا » رواه أبو داود ، والترْمذي وقال : حديث حسن صحيح .
نشرة حصاد أهل القرآن - نوفمبر 2017
من صفات المربي .. التوازن والتكامل

سعيد بن محمد آل ثابت
إن اتزان المربي في أقطار حياته اليومية يصنع انسجاماً متكاملاً في شخصيته المؤثرة, وذلك ينطبع على المتربي وإن لم يتكلف المربي ذلك ..
وإن المقصود بالتوازن هو أن يُعطي المربي لكل شيء حقه, ولا يُطغي جانب على جانب, وإن هذه الصفة وإن كانت في أهميتها أن تعمم على الجميع إلا أنها في حق المربي أعظم.
أما التكامل فهو أن يحوي في منظومته الحياتية جميع الأصول اللازمة دون فقدان جانب من الجوانب, وبالتالي فإن تكامل وجود هذه الأصول, مع التوازن في تطبيعها على الشخصية مطلب رباني, وهو سمة للعظماء.. ولعلي أُلقي الضوء على أهم هذه الجوانب :
1) الجانب الإيماني (العبادي) :
وهذا هو الزاد الحقيقي, ويستحق أن يُفرد له مبحث في الحديث عن أهميته وأثره, وكيفية التربية عليه والتربية من خلاله .. وإن من سبر القرآن الكريم يجد إلقاء الضوء على هذا الأمر, ومرادفاته .. قال تعالى : (الذين إن مكنّاهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور), ونجد التوجيه لقيام الليل, والصيام, وتقوى الله في السر والعلن, وغير ذلك.
وعند مشاهدة سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم نراها خير نموذج لهذا الجانب العظيم, ولقد قال عليه الصلاة والسلام : (يأتي على الناس زمان القابض فيهم على دينه كالقابض على الجمر) .. لذا ينبغي على المربي على وجه الخصوص نيل المراتب الأولى في هذا الشأن بالذات, وهو على رأس الهرم لبقية الجوانب الأخرى, ولقد رام التوفيق من كانت صلته بالله وثقى .
2) الجانب الوظيفي :
يشوب النفس السآمة حين تجد المربي والداعية ذلك المُخل بوظيفته, والذي يكثر الصخب والضوضاء في عمله, بل تعاينه في صف المتأخرين, يتهرب من المسؤوليات, ولا يربو في اهتماماته وجود أهداف عالية يريد المسابقة فيها!
وإن أداء العمل على وجهه ومحاولة الوصول به للمثل العليا يُعد من أداء الأمانة وإعطاء الحق لأهله, ومن أُعطي الأجرة حوسب ! ولقد قال جل وعلا : (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) .
3) الأسري (العائلي) :
قال عليه الصلاة والسلام : (خيركم .. خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)، وقال أيضاً : (استوصوا بالنساء خيراً)، وكانت حياة النبي صلى الله عليه وسلم مع أزواجه تنبئ عن عظيم رُقي تعامله, وكمال حنانه وعطفه, فهو لا يكاد يخبئ حبه عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في مواقف عدة, وكان يهمه شأن ابنته فاطمة رضي الله عنها حتى لقد زارها عاجلاً حين طلبته ولم تجده ..
إن المربي الرباني هو الذي تكون أسرته من أولويات اهتماماته, إنه يجعل من قول الله تعالى : (وأنذر عشيرتك الأقربين) شعاراً يقوده لأن يكون خير من يكون خيراً لأهله, وأبنائه وزوجه, إنه يدعو دائماً ويقول : (ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما), لكنه يدعو ونفسه تصبو وتبذل جهدها للعمل بذلك.
4) الاجتماعي :
قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على آذاهم), وإن من أصول ذلك الاجتماع مع الأقارب والجيران والأصدقاء, لاسيما أن يكون ذلك مع وُد هو رائده, وروح طيبة متسامحة هو صاحبها, وحبذا أن يكون الأول مع أقاربه وأرحامه, وأن يكون الفاعل مع مسجده وأهل حيه, وأن يصبح صاحب الوجود المعنوي في قلوب رفاقه وأصدقاء العمل، لاسيما إذا صاحب ذلك أهدافاً دعوية يرقى بالمجتمع المحيط به على إثر ذلك.. وبئس المربي الذي نجده يخالف ذلك؛ لأنه حتماً سيُخالف مراد الشارع سبحانه .
5) الصحي والرياضي :
هناك فرق بين الصحة والرياضة مع أنها تصب في منبع واحد, ولكن التباين يفهمه المتلقي, هذا الجانب (الصحي والرياضي) قد يُغفل إلى حد ما من جل الناس, وإن التمسنا هذا الأمر للمربي فكونه شخصية حيوية في المجتمع, ينبغي لها أن تحمل ثقلاً معلوماتياً في الشأن الصحي والرياضي, ومن ثم يكون ذلك واقعاً لا تنظيراً.
إن حاجة المربي في التزامه بجوانب صحية ورياضية أن يبقى أثر ذلك في عبادته, وقيامه بالأنشطة والبرامج على وجه صحيح, وطريقة حيوية, ولقد قال عليه الصلاة والسلام : (المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف، وفي كل خير), ولقد قال عليه الصلاة والسلام مادحاً نفراً من أصحابه : (خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة) .. ونعلم كلمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخالدة : (علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل).
إنها دعوة أن يُضفي المربي لبرنامجه الصحي والرياضي مساراً جديداً يكون بالاهتمام بحواسه, وصحة جسده في الغذاء والتعرف على العادات الحسنة من السيئة في جوانب الحياة, وأن يلتزم برياضة محببة كالمشي, والجري, وغيرها ليمارسها, ويكون نشيطاً ذرباً في طاعة المولى (بإذنه سبحانه) .
6) المهاري (الشخصي) :
ينبغي لكل مربي أن يكون له بصمته المهارية المميزة لشخصه, كالإلقاء, أو التأليف, والتدريب, أو الإعلام وغير ذلك, ومن ثم يطور هذه الميزة ويرعاها ويفيد ويستفيد منها, وقد أخرج الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر،  وأصدقهم حياء عثمان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبيّ، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح)، قال الألباني في السلسلة الصحيحة إنه صحيح . وهذا دليل محض على أهمية ذلك, فلا يكون المربي عالة على إخوانه في كل شيء, فلابد له على الأقل أن يكون خادماً في ثغرة لها نتاج يعود على الأمة بالنفع والفائدة... فليهتم المربي بذلك, وليبدأ صفحته مع موهبته، وليصقلها جيداً, فمن العيب أن يصقل غيره, وخامه لم يُعرف حتى الآن ما هو .
*هذه أهم الجوانب في نظري, وهناك غيرها, ولكن أحسب أنا وقفنا على أبرزها, آمل أن نُوفق للحظي بها, والبدء (إن لم يكن ذلك سابقاً) في العمل.. أرجو من الله أن يلهمنا الصواب والرشد في تصويب مسارنا, وأسأله سبحانه وتعالى أن يهدينا ويسددنا.
كافة الحقوق محفوظة لــ الجمعية الخيرية لتعليم القرآن الكريم 2010
تصميم و برمجة الحلول التكنولوجية
الرئيسية  ـ  الجمعية  ـ  الأخبار  ـ  إصدارت  ـ  تبرع للجمعية  ـ  إتصل بنا